قد لا يخطر ببال أحد
وهو يلقي نظرة سريعة إلى ساعته، أن وراءها تاريخًا طويلاً. حيث كان
الإنسان في الماضي يقيس الوقت على شروق الشمس وغروبها، أي عن طريق ظلال الأشياء في
النهار، لذا كانت جذوع الأشجار والصخور وقمم الجبال تُتخذ أدوات لمعرفة الوقت بما
تعكسه من ظلال، أما في الليل فإن الوقت كان يُحدد بالنظر إلى النجوم، فكانت الشمس
والقمر والنجوم ساعات طبيعية استخدمها الإنسان!
تطور الساعة عند المسلمين
كانت هذه هي البدايات الأولى لقياس الوقت، وبما
أن الإسلام يعتبر التوقيت أساسًا من أسس العقيدة، وعلى أساسه
فرضت مواقيت الصلوات الخمس ومواقيت الصوم والإفطار والسحور والإمساك، بل إن للزكاة
والحج إلى بيت الله مواقيت وأزمنة وساعات لا تعديل فيها ولا تبديل.. وبناءً على
ذلك استطاع العرب والمسلمون أن يبرعوا في تطوير قياس الوقت.. ومن الثابت علميًا أن
الساعة الرملية كانت المثال التقليدي لقياس الوقت، وكانت عملية انسياب الرمل بسرعة
وخفة تسحر المتطلع إليها وتلفت انتباهه لها.
كما تطورت ساعة الشمس عند المسلمين ومن بين
عباقرتهم الأفذاذ العلامة العربي الألمعي أبو الحسن الملقب ببديع الزمان
الإسطرلابي الذي كان ملمًا بعلم قياس الوقت، ووضع أسلوبًا عجيبًا لحساب الساعات في
كل ساعة من ساعات الشمس.
ومن العلماء العرب الذين قاموا بدراسات متعمقة
في اختراع الساعات وتطويرها «ثابت بن قرة» ومن أوائل أعماله تأليف
كتاب عن المزولة الشمسية، التي كانت تستخدم لتعيين مواقيت الصلاة وقد توفي في بغداد
سنة 901 م.
انفتحت بعد ذلك آفاق عديدة أمام المسلمين،
فصنعوا الساعات التي تسير على الماء والزئبق.. ثم توصلوا إلى الساعات
الشمسية الرقاصة التي كانت تعلن ساعة الغداء بصوت رنان.. كما توصلوا إلى الساعات
المائية التي كانت تقذف كل ساعة كرة في قدح معدني وتدور حول محور تظهر فيه النجوم
ورسومات من عالم الحيوان.. وقد تباينت أشكال الساعات المائية فمنها ما وجد على شكل
مخروط مقلوب، ومنها ما صور على هيئة قارب يعوم فوق سطح الماء وفي أسفله ثقب يتصاعد
خلاله الماء إلى القارب، ومجاديفه تشير إلى علامات الساعة المؤشرة داخل القارب.
ومن أجمل الساعات المائية التي تعتبر تحفة
نادرة «الساعة التي زينت بها مدينة دمشق في جامعها الأموي الذي بناه
الوليد بن عبدالملك، وكذلك الساعة المائية الموجودة في مدرسة أبو عنانية بمدينة
فاس المغربية.. وهي من آثار القرن الثالث عشر الميلادي، وطريقة تشغيلها تتم وفق
نظام دقيق يجمع بين صبيب المياه وتحريك عقارب الساعة بواسطة حبال ينتج عنها
سقوط كرة معدنية تحدد الوقت.
وفي عصر الدولة العباسية، بلغت بغداد أوج عزها
ومجدها في تطور فن صناعة ساعة الماء، ولم يكن بغريب أن تصل الساعة
التي صنعت في زمن هارون الرشيد حد الإبداع في الفن والدقة. ففي عام 807 م قدم
عبدالله رسول هارون الرشيد الخليفة العباسي إلى القيصر شارلمان في مدينة آخن
بألمانيا، هدية عبارة عن ساعة من هذا النمط، وقد أعجب شارلمان إعجابًا عظيمًا بهذه
الساعة، كما دهش رجاله، حتى أنه يقال إن بعضهم هرب من المجلس عند سماع دقاتها وقد
ظنوا أنها دقات الشيطان!
ومن أجمل وأروع الساعات المائية، ساعة قصر
الحمراء أو ساعة الماء، التي شيدها حكام غرناطة المسلمون بعد سقوط دولة
الموحدين في القرن السابع الهجري.
وتتكون هذه الساعة الموجودة في بهو الأسود من
أعمدة تتوسطها نافورة مياه صغيره يحيط بها اثنا عشر أسداً من الرخام
الأبيض، وتشير المياه الخارجة من أفواه الأسود إلى الساعة، ويشير زخم المياه إلى
الدقائق، ولاتزال هذه الساعة تحير العلماء.
أما عن رقاص الساعة (البندول) فقد كان العرب هم
أول من اخترعوه. وأول من اخترعه هو أبو سعيد عبدالرحمن بن أحمد بن
يونس المصري ، ثم جاء بعده كمال الدين موسى بن يونس بن محمد العقيلي الموصلي ، فعرف
أشياء كثيرة من قوانين تذبذب الرقاص، وكان الفلكيون يستخدمونه لحساب الفترات الزمنية
في أثناء رصد النجوم.
وللأسف يتناسى علماء الغرب كل تلك الاختراعات
وهم يتحدثون عن جاليليو وتوصله إلى اختراع البندول، ولا يذكرون أن بحوث
كمال الدين بن يونس في البندول كانت في متناول الدارسين في عالم الغرب، وفي إيطاليا
بالذات، حيث كانت على اتصال دائم بالسواحل السورية والمصرية، ولا سيما أثناء
الحروب الصليبية ومنها انتقل الكثير من علوم المسلمين.
وهكذا بمرور الوقت نجح الأوربيون في قياس الزمن
بالساعة الشمسية أو الرملية أو المائية، إلى أن ظهرت في القرنين
الرابع عشر والخامس عشر الميلادي أولى الساعات الآلية ذات الأجراس ثم تلتها ساعات
الجيب والجدار واليد.. ثم دخلت في كل مجالات الحياة.
تلك هي قصة البندول والساعة.. والتي تؤكد أن
العرب والمسلمين هم أول من اهتم بتحديد المواقيت وتوصلوا إلى وسائله
وبرعوا في ذلك، ثم تركوه للغرب يستغله وينسبه لعلمائه كما حدث في كل علوم العرب
والمسلمين.
إقرأ أيضًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق